الخميس، 17 يناير 2008

من جولة سائح سعودي
رندة تزخر بالمعالم الإسلامية والوفاء لتاريخ الأندلس الغني


متابعة - أحمد غاوي
قد يعرف الكثير منا مطلع قصيدة أبي البقاء الرندي الشاعر الأندلسي المعروف التي يقول في مطلعها (لكل شيء إذا ما تم نقصان.. فلا يغر بطيب العيش إنسان) ولكن قد لا يعرف الكثير منا لمن يعود نسب هذا الشاعر (الرندي)، إنه يرجع إلى مدينة رندة (Ronsda) في اسبانيا، الشاب السعودي عبدالمجيد المدرع تخصص في معرفة الكثير من تاريخ مثل هذه المدن الغنية، وقدم من خلال جولة سياحية موثقة معلومات عن مدينة رندة، حيث يقول إنها من أكثر المدن الاسبانية المحافظة على الآثار الإسلامية، فهي تحتفظ ببيوت أندلسية وأسوار وقصور وقلاع وقناطر وغيرها، وهي اليوم كذلك من أجمل المدن الإسبانية وتبدأ بالشعور بهذا الجمال وأنت في طريقك إليها.

وتقع مدينة رندة على ارتفاع 750م عن سطح البحر في جبال الأندلس الجنوبية، وهي من مدن محافظة ملقا، ويبدأ طريقها من ملقا بالمرور أولاً على مدينة ماربيا ومن هناك يبدأ الصعود إلى هذه المدينة في طريق جبلي يمتد لخمسين كيلو متراً ويعود تاريخ هذه المدينة إلى العصر الروماني، وقد كان ازدهارها الحقيقي في العصر الإسلامي وخصوصاً في القرون الأخيرة. وكان سقوطها في يد النصارى في جمادى الأولى لعام 890ه - وبعدها سهل على القشتاليين الاستيلاء على ملقا بعد سبع سنوات. وقال عنها الرحالة المسلم ابن بطوطة «إنها من أمنع معاقل المسلمين وأجملها وضعاً». ويقارب سكانها اليوم 35 ألف نسمة وتقع على نهر وادي لبين الذي تقع عليها القنطرة الرومانية والعربية.

وتقترب رندة من جهة الشمال من مدينة أشبيلية ومن جهة الغرب مدينة شذونة وتكثر في الطريق الواقعة بين رندة وشذونة البسائط الخضراء ومزارع الزيتون، وشهرة رندة اليوم بين الإسبان تكمن في وجود أول حلبة مصارعة ثيران في اسبانيا والتي انشئت عام 1785م، في عهد فيليب الثاني. وتبدأ معالم رندة ابتداء من ساحة الثيران وتضم متحف مصارعة الثيران وهو من أشهر المتاحف في اسبانيا. وتقع ساحة الثيران على شارع (بيرخين دي لاباث) وهو من أهم شوارع رندة، وبعد الخروج مباشرة من ساحة الثيران سيراً على الأقدام متجهاً نحو رندة القديمة التي تقع في الجهة الجنوبية للمدينة فإنك تمر أولاً على ساحة اسبانيا وهي نقطة التوزيع الواصلة بين رندة القديمة ورندة الحديثة، والمنطقة الشمالية بالجنوبية، وقد أنشئت هذه المساحة أوائل القرن التاسع عشر، وتقع الساحة بين ساحة الثيران والقنطرة الجيدة. ويعود تأسيسها إلى عام 1793م وبعد عبورك الجسر فإنك تبدأ بالانعطاف يساراً ناحية الجهة الشرقية للمدينة متجهاً نحو القنطرة عبر شارع سانتو دومينغو، وبجانبه يقع منزل سانتا بولا، ويعود تاريخ هذا المنزل إلى القرن الثالث عشر ولم يبق فيه إلا أجزاء بسيطة. والمنزل اليوم هو عبارة عن مطعم، وبجانب هذا المنزل يوجد منزل اسمه بيت الملك العربي وهو منزل يعود الى القرن الثامن عشر، وعلى النهر سلم ينزل إلى نهر وادي البين ويتكون من 365 درجة، وعلى واجهة هذا المنزل وضعت لوحة مرسومة على سراميك لملك أبي مالك المريني. وبعد هذا البيت تواصل عبر المنحدر ماراً بقصر ماركس سالباتييرا ويميز هذه القصر واجهته الفنية والشرفة الرائعة وعليها تماثيل بيروفية ويمثل هذا المنزل الفن الرندي، وبه فناد على الطراز الأندلس، ومن ثم يمكن أن يتجه لبوابة فيلب الخامس التي بنيت على البوابة الرابعة القديمة، وبعد الدخول من هذه البوابة والبدء في النزول أكثر من الشارع المنحدر فسوف تشاهد أمامك القنطرة القديمة، التي تعود إلى عهد ملوك بني الأحمر في القرن الرابع عشر ويرى آخرون أنها تعود إلى عهد الملك أبي مالك المريني، وقد تهدم الكثير من هذا الجسر بسبب فيضان حصل عام 1616م ، فتم إعادة بناء ما تهدم منه، ويبلغ طول هذا الجسر 109 أمتار على ارتفاع 31 متراً عن النهر، وقد تعرضت الترميمات بسيطة قبل عدة سنوات،

وأجمل ما تشاهده عند هذه القنطرة هي الصخور العظيمة الكبيرة الحجم، أما في الجهة الأخرى من الجسر فيوجد هناك حي (الميركاديو) وكنيسة الأب عيسى ونافورة الزنابيب الثمانية، وتعود هذه الكنيسة إلى أواخر القرن الخامس عشر الميلادي وبعد القنطرة القديمة تقع قنطرة أخرى تسمى بقنطرة (سانتو ميغيل) وتعرف بأنها قنطرة رومانية ولكن أصلها عربي. ومقابل هذا الجسر تقع الحمامات العربية وهي من أكثر الحمامات العربية التي حافظت على طابعها الأصلي في اسبانيا وتعود هده الحمامات إلى القرن الثالث عشر الميلادي، وتحتوي هذه الحمامات على عقود بطراز أندلسي وتحتوي أيضاً على البركة. ومن هند هذه الحمامات فإنه بالإمكان مشاهدة الأسوار العربية، أو أسوار رندة لواقعة في الجهة الغربية للحمامات وأجزاء منها تعود إلى القرن الحادي عشر وقد تعرضت أجزاء منها للترميم. وعلى نفس شارع (أرمينيان) توجد ساحة مسماة علي الشاعر الأندلسي الرندي صالح بن شريف الملقب بأبي البقاء الرندي وداخل هذه الساحة توجد منارة (سان سيباستيان) وقد أنشئت في عهد ملوك بني نصر في القرن الرابع عشر الميلادي، أما المبنى المجاور له فهو المركز الاسباني العربي للفنون الإسلامية في رندة ورمم عام 1973م، وهذه المنارة هي ما تبقى من المسجد القديم، وتحتوي هذه المنارة على نوافذ صغيرة وبابها ذا طراز اندلسي على مساحة (1,83*1,88) وفي آخر شارع أمينيان وبالقرب من بوابة المقابر توجد بقايا القصبة الاندلسية، التي لم يبق منها الكثير وقد تهدم جزء كبير منها عند دخول الفرنسيين في عهد نابليون، بسبب القصف الذي تعرضت له، ويقع مبنى البلدية أمام ساحة وحديقة اسمها ساحة (دوكيسا دي بارثينت) وتسمى أيضاً بالساحة الكبرى وفي هذه الساحة يقع معلم من أهم معالم رندة وهو جامع رندة الكبير والذي يعود أيضاً إلى العقد الناصري، وقد احتفظ المسجد ببعض آثاره مثل المحراب وقد تبقى منه عقده والذي يبلغ عرضه 1,25م، ومن نفس هذه الساحة يوجد شارع اسمه شارع (مونت) ويؤدي هذا الشارع إلى قصر (موندراقون) وهو منزل على طراز مدجن (وهو الطراز الذي يبنى على الطراز الأندلسي، ولكنه بني على يد الاسبان)، وقد بني على انقاض منزل عربي، ويحتوي هذا المنزل على فناء رائع وهو فناء بطراز أندلسي يتوسطه بئر وتطل عليه الغرف من أعلى وهو أسلوب مدجن بالإضافة إلى حديقة.

ليست هناك تعليقات: